خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 14 ربيع الأول 1445هـ ، الموافق 29 سبتمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بصيغة word بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته .
أولًا: محمدٌ ﷺ نبيُّ الرحمةِ.
ثانيــــًا: مِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ بالأمةِ المحمديةِ.
ثالثــــًا وأخيرًا: أينَ الرحمةُ في قلوبِنَا؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : مظاهرُ رحمةِ النبيِّ ﷺ بأمتِهِ للدكتور محمد حرز
14 ربيع الأول بتاريخ 1445هـ، الموافق، 29 سبتمبر2023م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ الأنبياء: 107، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وأشهدُ أنّ سيّدَنَا وحبيبَنَا وعظيمَنَا وقائدَنَا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ شملتْ رحمتُه البَر والفاجرَ، والقريبَ والبعيدَ، والعدوَّ والصديقَ، فكان رحمةً مُهداه مِن اللهِ عزَّ وجلَّ كمَا في حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ((يا أيُّها الناسُ، إنَّما أنا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ)) فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102) عبادَ الله) : مظاهرُ رحمةِ النبيِّ ﷺ بأمتِه) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء:
أولًا: محمدٌ ﷺ نبيُّ الرحمةِ.
ثانيــــًا: مِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ بالأمةِ المحمديةِ.
ثالثــــًا وأخيرًا: أينَ الرحمةُ في قلوبِنَا؟
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن مظاهرِ رحمةِ النبيِّ المختارِ ﷺ بأمتِه، وخاصةً وما زلنَا في الحديثِ عن سيدِ الخلقِ وحبيبِ الحقِّ ﷺ، والحديثُ عنه شيقٌ وجميلٌ لا حدَّ لمنتهاهُ، وما أجملَ أنْ يكونَ الحديثُ عن رسولِ اللهِ، وما أحلَى أنْ يكونَ الحديثُ عنه وكيفَ لا؟ وخاصةً والحديثُ عن رسولِ اللهِ ﷺ له حلاوةٌ تتذوقُهَا القلوبُ المؤمنةُ، وتهفُو إليها الأرواحُ الطاهرةُ، وهو في ذاتِه قربةٌ كبرَى يتقربُ بها إلى اللهِ كلُّ مُريدٍ لرِضوانِهِ ومثوبتِهِ جلَّ وعلَا. وخاصةً ورحابُ النبيِّ ﷺ واسعةٌ، فهو بستانُ العارفينَ، ومُتنزَّهُ المحبينَ، يحنونَ إلى سيرتِه وشمائلِه وأخلاقِه، فيقطفُون منها على قدرِ جهادِهِم في حبِّ اللهِ، وحبِّ رسولِ اللهِ ﷺ، وخاصةً و في شهرِ ربيعٍ الأولِ تهلُّ علينا ذكرَى عطرةٌ وهي ذكرَى مولدِهِ ﷺ ، واليوم سنقطفُ زهرةً مِن بستانِ أخلاقِه ﷺ، وهو خلقُ الرحمةِ. قالَ جلَّ وعلَا ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ آل عمران: 159وللهِ درُّ شوقِي حين قالَ عن رسولِ اللهِ ﷺ:
وإذا رحمتَ فأنتَ أمٌّ أو أبٌ ♦♦♦ هذان في الدنيا هم الرحماءُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز
أولًا: محمدٌ ﷺ نبيُّ الرحمةِ.
أيُّها السادةُ: لقد بعثَ الله جلَّ وعلَا نبيَّه ﷺ هدايةً للضالينَ، وطمأنينَةً للحائرينَ، وسكينةً للخائفينَ، ودلالةً للتائهينَ، ورحمةً للعالمينَ فقالَ جلَّ وعلَا ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ الأنبياء: 107، قال ابنُ عباسٍ في تفسيرِهَا: “مَن آمنَ باللهِ ورسولِه تمتْ لهُ الرحمةُ في الدنيا والآخرةِ، ومَن لم يؤمنْ باللهِ ورسولِه عُوفِيَ مِمّا كان يصيبُ الأممُ في عاجلِ الدنيا مِن العذابِ مِن الخسفِ والمسخِ والقذفِ، فذلك الرحمةُ في الدنيَا” قال جلَّ وعلَا واصفًا نبيَّه ﷺ: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128فدينُنَا هو دينُ الرحمةِ ونبيُّنَا ﷺ نبيُّ الرحمةِ، عن أبِي هريرةَ – رضيَ الله عنهُ – قال: ( قيلَ: يا رسولَ اللهِ! ادعُ على المشركينَ، قال: “إنِّي لم أُبعث لَعَّاناً وإنما بُعِثْتُ رحمةً) فهو الرحمةُ المهداةُ وهو السراجُ المنيرُ، وعن أبي هريرةَ – رضي اللهُ عنهُ – عن النبيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ( إنمَّا أنا رحمةٌ مهداةٌ)) وهو نبيَّ الرحمةِ والشفقةِ والإنسانيةِ قال ﷺ: “أنا محمدٌ، وأحمدُ، والمُقَفِّي، والحاشرُ، ونبيُّ التوبةِ، ونبيُّ الرحمة”ِوكيف لا ؟ونَبِيُّنَا ﷺ عَلَّمَ الدُّنْيَا الرَّحْمَةَ فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَبْصَرَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ. فَقَالَ: إِنَّ لِي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «إنه مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ؛ يَعْنِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي «الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ». وكيف لا؟ ولقد كانَت البشريةُ قبلَ بعثةِ النبيِّ ﷺ، تعيشُ في جاهليةٍ جهلاءٍ، وفوضَى عارمةً، قد اشتدَّتْ عليهم الظلمةُ، وتفشَّتْ بينهُم أخلاقُ السوءِ، فلم يعرفُوا للهِ حقًّا، ولم يرفَعُوا بحدودِ اللهِ رأسًا، حتى بعثَ اللهُ جلَّ وعلا لهم نبيَّهُ بالنورِ والهدَى، فكان رحمةً للعالمين، أنارَ اللهُ بهِ الدنيا بعدَ إظلامِهَا، وأشرقتْ شمسُ الحياةِ، وابتهجتْ ببعثتِهِ الأرضُ، فارتدتْ ثوبَ العافيةِ، والتحفتْ ثوبَ الفرحِ، وأصبحتْ بعدَ طولِ أمدِ الظلامِ وقد كساهَا النور، ولبستْ ثوبَ الهناءِ والحبورِ، فأيُّ أمةٍ كنّا قبلَ الإسلامِ، وأيُّ جيلٍ كنَّا قبلَ الإيمانِ، وأيُّ كيانٍ نحنُ بغيرِ القرآنِ، كنَّا قبلَ مولدهِ أمةً وثنيةً، أمةً لا تعرفُ ربَّهَا، أمةً تسجدُ للحجرِ، أمةً تغدرُ، أمةً يقتلُ بعضُهَا بعضًا، أمةً عاقةً، أمةً لا تعرفُ مِن المبادئِ شيئًا، فأرادَ اللهُ أنْ يرفعَ قدرَهَا، وأنْ يُعلِي شأنَهَا، فأرسلَ إلينَا رسولَ الإنسانيةِ ﷺ، قال جلَّ وعلا:﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ آل عمران: 164. فاختارَهُ اللهُ للنبوةِ واجتباهُ، وأحبَّهُ للرسالةِ واصطفاهُ ﷺ، وجعلَهُ رحمةً للعالمين، فهو رحمةٌ للمؤمنين، ورأفةٌ للصالحين، وهو نقمةٌ على الكافرين وعذابٌ على المفسدين، فلقد بلغتْ رحمةُ الرسولِ ﷺ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلهُ عقلٌ، حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهِم مِن كثرةِ العبادةِ!!, فكثيرًا ما يُعرِضُ عن عملٍ مِن الأعمالِ، مُقرَّبٍ إلى قلبِهِ، محببٍ إلى نفسِه، لا لشيءٍ إلّا لخوفِهِ أنْ يُفرَضَ على أمتِهِ فيعنتهُم ويشقُّ عليهم. تقولُ أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي اللهُ عنها: “إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ”, وفي رواية: “وَكَانَ رَسُولُ الله يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْفَرَائِضِ))، ولذلك كان كثيرًا ما يقولُ كلمةَ: “لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي”، دلالةً على أنَّهُ يحبُّ الأمرَ، ولكنَّه يخشَى الفتنةَ على الأمةِ.. وكيف لا ؟ وفي صحيحِ مسلمٍ دارَ حوارٌ عجيبٌ بينَ رسولِنَا الأمينِ والروحِ الأمينِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِما الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بأمرٍ مِن اللهِ تعالَى.. فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ:(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم:36] وَقَالَ عِيسَى [أي: وتلا قَوْلَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ]: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118]، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ.؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ؛ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: «يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ) فما أعظمَهُ مِن وعدٍ وأصدقَهُ! وما أرحمَهُ مِن رسولٍ وألطفَهُ وأكرمَهُ! همُّهُ أمتُهُ ونجاتُهُا، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ﷺ-:إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، وَنُؤْمِنُ بِكَ، قَالَ: “وَتَفْعَلُونَ؟ ” قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: “إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ”، قَالَ: “بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ))رواه أحمد، إنَّه نبيُّ الرحمةِ يا سادة!! وقد امتلأتْ نفسُ الرسولِ الكريمِ بالرحمةِ، وأوصَى أتباعَهُ بأنْ يكونوا رحماءَ كما وصفَهُم القرآنُ { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ .. فلقد كانت حياتُهُ ﷺ كلُّهَا رحمة، فهو رحمةٌ، وشريعتُهُ رحمةٌ، وسيرتُهُ رحمةٌ، وسنتُهُ رحمةٌ، وصدقَ اللهُ إذ يقولُ: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}الأنبياء : 107 ،بلغَ العُلَى بكمالهِ، كشفَ الدُّجَى بجمالهِ، حسنتْ جميعُ خصالهِ، صلُّوا عليهِ وآلهِ وسلمُوا تسليمًا.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز
ثانيــــًا: مِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ بالأمةِ المحمديةِ.
أيُّها السادة: لقد تجلَّتْ لنَا مظاهرُ رحمةِ النبيِّ ﷺ، حتى شمِلتْ القاصِي والدانِي، والقريبَ والبعيدَ، والصديقَ والعدوَّ، والبرَّ والفاجرَ..، وشملتْ رحمتُهُ الضعفاءَ، والأطفالَ، والنساءَ، والمرضَى، والأصحابَ، وحتّى الشهداء، وحتى الحيوانات، …وتِلْكُم بعضُ مظاهرِ رحمةِ النبيِّ ﷺ:
فمِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ بأمتِهِ: فلقد منحَ اللهُ تعالى الأنبياءَ دعوةً مستجابةً، فتعجلوهَا ودعوا بها، أمَّا الرسولُ الكريمُ فقد ادخرَهَا لأمتِهِ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ – : «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا )) رواه مسلم. وكان رسولُ اللهِ ﷺ يحذِّرُ أمتَهُ كثيرًا مِن الفُرقَةِ والتشاحنِ والتصارعِ، وتشعرُ في كلماتِهِ بحزنٍ دفينٍ، وبألمٍ عميقٍ، وبخوفٍ حقيقِي على الأمةِ، وكأنَّهُ يستقرئُ واقعًا هو حادثٌ لا محالة، يقولُ رسولُ اللهِ منبهًا محذرًا: “فَوَ اللَّهِ لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ”وكان ينبِّهُ بحبٍّ ورحمةٍ: “لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).
ومِن مظاهرِ رحمتِه ﷺ : رحمتُه في دعوتِه: فمقامُ الدعوةِ هو الحكمةُ واللينُ، قال جلَّ وعلا مخاطبًا نبيَّهُ ﷺ{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} سورة النحل، وروى مسلمٌ في صحيحِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ».وقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَهْ مَهْ. قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ )) الأعرابِيُّ انفعلَ لأخلاقِ النبيِّ ورحمةِ النبيِّ وحكمةِ النبيِّ، انفعلَ الأعرابيُّ بهذه الأخلاقِ وهذه الرحمةِ فدخلَ الصلاةَ وهذا في غيرِ روايةِ الصحيحين: انفعلَ الأعرابيُّ بأخلاقِ الحبيبِ النبيِّ فدخلَ الصلاةَ وظلَّ يقولُ: اللهُمَّ ارحمنِي وارحمْ مُحمدًا ولا ترحمْ أحدًا معنَا فقالَ لهُ المصطفى:” لقد تحجرتَ واسعًا قالَ اللهُ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }(156 سورة الأعراف فلماذا ضيقتَ ما وسعَ اللهُ”
ومِن مظاهرِ رحمتِه ﷺ رحمتُهُ بالنساءِ: لقد ضربَ ﷺ أروعَ الأمثلة في التلطّفِ مع أهلِ بيتِهِ ، فكان -عليه الصلاةُ والسلامُ- أرأفَ الناسِ بأهلِهِ وأزواجِهِ وبناتِهِ، فكان عندما تأتِي فاطمةُ -رضي اللهُ عنها- إليه يقبّلُهَا ويُجلسُهَا في مكانِهِ، وكان إذا أرادتْ أمُّ المؤمنين صفيةُ -رضي اللهُ عنها- أنْ تركبَ على البعيرِ، يجلسُ فيرفعُ لها ركبتَهُ لتصعدَ عليها وتركبَ البعيرَ. وقد أكثرَ مِن الوصيّةِ بالنساءِ والبناتِ، فقال -عليه الصلاةُ والسلامّ-: (أَلَا واسْتَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندَكم، ليس تَمْلِكُونَ منهن شيئًا غيرَ ذلك إِلَّا أن يَأْتِينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ) ،وقال: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ) وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [رواه مسلم، وكم تتجلَّى مشاعرُ الرحمةِ والشفقةِ في هذا الموقفِ الذي يجلِّي محبةَ النبيِّ ﷺ ورحمتَهّ لابنتِه زينب:فعن عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا [رواه أبو داود
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز
ومِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ رحمتُهُ بأهلِ المعاصِي والتائبين: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى اللهُ عنه – قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ . قَالَ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ . قَالَ وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ ﷺ الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ . قَالَ « أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ » اللهُ أكبرُ ما أرحمَهُ! باللهِ ما أحلمَهُ! ما أحلمَهُ! باللهِ ما أروعَهُ! باللهِ ما أتقاهُ! باللهِ ما أنقاهُ! واللهِ ما أغلقَ النبىُّ بابَ التوبةِ في وجهِ مذنبٍ قط بل فتحَ أبوابَ التوبةِ على مصراعيهَا للمذنبينَ والمقصرينَ مِن أمثالِي، فقال مذكرًا بقولِ اللهِ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) سورة الزمر، فقد روى البخاريُّ في صحيحهِ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي وَاللَّهِ لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا . قَالَ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ، ثُمَّ قَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ ).
ومِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ أنَّهُ كان يرحمُ أهلَ القسوةِ والجفاءِ والغلظةِ في القولِ والفعلِ مِن الأعرابِ: روي أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسولِ اللهِ ﷺ لَيَسْتَعِينَهُ في شيءٍ قال عِكْرِمَةُ : أَرَاهُ قال : في دَمٍ فَأعطاهُ رسولُ اللهِ ﷺ شيئًا ، ثُمَّ قال : أَحْسَنْتُ إليكَ ؟ قال الأَعْرَابِيُّ : لا ولا أَجْمَلْتَ . فَغَضِبَ بَعْضُ المسلمينَ ، وهَمُّوا أنْ يَقُومُوا إليهِ ، فأشارَ رسولُ اللهِ إليهِم : أنْ كُفُّوا . فلمَّا قامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وبَلَغَ إلى منزلِه ، دعا الأَعْرَابِيَّ إلى البيتِ ، فقال لهُ : إِنَّكَ جِئْتَنا فَسَأَلْتَنا فَأَعْطَيْناكَ ، فقُلْتَ ما قُلْتَ . فَزَادَهُ رسولُ اللهِ شيئًا ، وقال : أَحْسَنْتُ إليكَ ؟ فقال الأَعْرَابِيُّ : نَعَمْ ، فَجَزَاكَ اللهُ من أهلِ عشيرةٍ خيرًا . قال النبيُّ ﷺ: إِنَّكَ جِئْتَنا تسَأَلْتَنا فَأَعْطَيْناكَ ، فقُلْتَ ما قُلْتَ ، وفي أنْفُسِ أَصْحابي عليكَ من ذلكَ شيءٌ ، فإذا جِئْتَ فقلْ بين أَيْدِيهِمْ ما قُلْتَ بين يَدِي ،حَتَّى يَذْهَبَ عن صُدُورِهِمْ . قال : نَعَمْ . فلمَّا جاء الأَعْرَابِيُّ قال : إِنَّ صاحبَكُمْ كان جاءنا فَسألَنا فَأَعْطَيْناهُ ، فقال ما قال ، وإنَّا قد دَعَوْناهُ فَأَعْطَيْناهُ فَزعمَ أنَّهُ قد رضيَ ، كذلكَ يا أعرابِيُّ ؟ قال الأعرابِيُّ : نَعَمْ ، فَجَزَاكَ اللهُ من أهلِ عشيرةٍ خيرًا ، فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إِنَّ مَثَلِي ومَثَلَ هذا الأَعْرَابِيِّ كَمَثَلِ رجلٍ كانَتْ لهُ ناقَةٌ ، فَشَرَدَتْ عليهِ ، فَاتَّبَعَها الناسُ فلمْ يزيدُوها إلَّا نُفُورًا ، فقال لهُمْ صاحِبُ النَّاقَةِ : خَلَّوْا بَيْنِي وبينَ ناقَتِي ، فَأنا أَرْفَقُ بِها ، وأعلمُ بِها . فَتَوَجَّهَ إليها وأخذَ لها من قتامِ الأرضِ ، ودعاها حتى جاءتْ واسْتَجَابَتْ ، وشَدَّ عليْها رَحْلَها وإنَّهُ لَوْ أطعتُكُمْ حيثُ قال ما قال لدخلَ النارَ.
ومِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ رحمتُهُ بالضعفاءِ: كان ﷺ يهتمُّ بأمرِ الضعفاءِ والخدمِ، الذين هم مظنّةُ وقوعِ الظلمِ عليهم ، والاستيلاءِ على حقوقِهِم، وكان يقولُ في شأنِ الخدمِ كما في البخاري « نَعَمْ ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ » .
ومِن مظاهرِ الرحمةِ بهم كذلك ، ما جاء في قولِهِ ﷺ في مسندِ أحمدَ « إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ أَوْ لِيُنَاوِلْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِى وَلِىَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ ». ومثل ذلك اليتامَى والأرامل ، فقد حثّ الناسَ على كفالةِ اليتيمِ ، وكان يقولُ كما عند البخاري: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) وجعل الساعِي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهدِ في سبيلِ اللهِ، وكالذي يصومُ النهارَ ويقومُ الليلَ، واعتبرَ وجودَ الضعفاءِ في الأمةِ، والعطفَ عليهم سببًا مِن أسبابِ النصرِ على الأعداءِ ، فقالَ ﷺ : فيما رواه البخاريُّ « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ )، ومِن رحمتِه ﷺ بالمرضى كان يأمرُ بزيارتِهِم، والشفقةِ عليهم، والعنايةِ بهم، وإدخالِ الفرحِ على قُلوبِهِم، وجاءت الكثيرُ مِن الأحاديثِ النبويّةِ التي تحثُّ على ذلك، كقولِ النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: (مَن عادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنَّةِ، قيلَ يا رَسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قالَ: جَناها).
ومِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ رحمتُهُ بالبهائمِ : فقد شملتْ رحمتُهُ ﷺ البهائمَ التي لا تعقلُ فها هو رسولُ اللهِ ﷺ ( دَخَلَ حَائِطاً لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ ﷺ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ فَسَكَنَ فَقَالَ « مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ». فَجَاءَ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا. فَقَالَ « أَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَىَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ » رواه أحمد وأبو داوود .
ومِن رحمتِه ﷺ بالطيرِ . ما رواه أبو داود في سننِهِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ « مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ». قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ )) وروى أنَّ بغيًّا زانيةً مِن زوانِي بنِى إسرائيل دخلتْ الجنةَ في كلبٍ، مرتْ على كلبٍ يلهثُ الثرَى مِن العطشِ فنزلتْ إلى بئرٍ فيه ماء، فملأتْ خفَّهَا بالماءِ وقدمتْهُ للكلبِ فشربَ فغفرَ اللهُ لهَا بذلك)) وللهِ درُّ القائل:
إذا كانت الرحمةُ بالكلابِ تغفرُ الخطايا للبغايا** فكيف تصنعُ الرحمةُ بمَن وحّدَ بربِّ البرايا؟ ولم تقتصرْ رحمتُهُ ﷺ على الحيواناتِ، بل تعدّتْ ذلك إلى الرحمةِ بالجماداتِ.
ومِن مظاهرِ رحمتِه ﷺ رحمتُهُ بالجماداتِ : حادثةُ حنينِ الجذعِ ، فإنَّهُ لمَّا شقَّ على النبيِّ ﷺ طولُ القيامِ، استندَ إلى جذعٍ بجانبِ المنبرِ، فكان إذا خطبَ الناسَ اتّكأَ عليه، ثم ما لبثَ أنْ صُنعَ لهُ منبرٌ، فتحولَ إليه وتركَ ذلك الجذعَ، فحنَّ الجذعُ إلى النبي ﷺ حتى سمعَ الصحابةُ منهُ صوتًا كصوتِ البعيرِ ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ وَقَالَ « لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز
ومِن مظاهرِ رحمتِه ﷺ بالأطفالِ: كان ﷺ يعطفُ على الأطفالِ ويرقُّ لهم ، حتى كان كالوالدِ لهم ، يقبّلُهُم ويضمُّهُم ، ويلاعبُهُم ويحنّكُهُم بالتمرِ، كما فعلَ بعبدِاللهِ بنِ الزبيرِ عندَ ولادتِهِ . وروى البخاريُّ (عَنْ عَائِشَةَ – رضى اللهُ عنها – قَالَتْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ » وكان إذا دخلَ في الصلاةِ فسمعَ بكاءَ الصبيِّ، أسرعَ في أدائِهَا وخفّفهَا( فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ») رواه البخاري ،وعن أنسٍ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ ﷺ قال: ليس منَّا مَن لم يرحمْ صغيرَنَا ويوقرْ كبيرَنَا) (رواه الترمذي)، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَىَّ وَعَلَىَّ)[رواه مسلم).
ومِن مظاهرِ رحمتِهِ ﷺ حتى مع الأعداءِ: فعن أنسٍ بسندٍ قال عنه الإمامُ الهيثمِي في مجمعِ الزوائد: رجالُه رجالُ الصحيحِ: أنّ عميرَ بنَ وهبٍ جلسَ يومًا مع صفوان بنِ أميةَ إلى جوارِ الكعبةِ بعدَ غزوةِ بدرٍ وتذكرُوا غزوةَ بدرٍ، وقتلَ المشركين وأسرَ المشركين في بدرٍ وغلتْ مراجلُ الحقدِ في قلوبِهِم، فقال عميرُ بنُ وهبٍ: واللهِ لولا دينٌ علىَّ وعيالٌ أخشَى عليهم الضيعةَ مِن بعدِى لركبتُ إلى مُحمدٍ لأقتلَهُ، فقال صفوانُ بنُ أمية: فدينُكَ علىَّ وعيالُكَ عيالِي أواسيهم بمالِي واركبْ إلى مُحمدٍ فاقتلْهُ، فقالَ عميرُ بنُ وهبٍ: فاكتمْ هذا ولا تخبرْ بهِ أحدًا، ثم قامَ عميرُ فشحذَ سيفَهٌ- أي : سنَّهُ وأغرقَهُ في السمِّ- وركبَ وانطلقَ إلى المدينةِ، ليقتلَ الحبيبَ المصطفَى.فلمَّا وصلَ عميرُ بنُ وهبٍ إلى بابِ المسجدِ النبوِي رآهُ فاروقُ الأمةِ عمرُ فلمَّا نظرَ إليهِ عمرُ الملهمُ قال: هذا عدوُّ اللهِ عميرُ بنُ وهبٍ واللهٍ ما أراهُ قد جاءَ إلّا لشرٍّ، فانطلقَ إليهِ عمرُ فخنقَهُ مِن ثيابهِ وجرّهُ على وجههِ حتى أوقفَهُ بينَ يدىِ المصطفَى وقال: يا رسولَ اللهِ هذا عميرُ بنُ وهبٍ عدوُّ اللهِ ورسولِه، واللهِ ما جاءَ إلّا لشرٍّ وسوءٍ فقالَ المصطفَى:” أرسلهُ يا عمرُ” تعالى يا عميرٌ ” ادنُ يا عميرُ” .. فدنا عميرُ بنُ وهبٍ فقال المصطفى:” ما الذى جاءَ بك؟” فقال عميرُ: واللهِ ما جئتُ إلّا لهذا فقال المصطفى:” فما بالُ السيفِ في عنقِك؟” … فقال: قبحَهَا اللهُ مِن سيوفٍ وهل أغنتْ عنَّا شيئًا يومَ بدرٍ… فقالَ المصطفَى” اصدقنِي يا عميرُ ما الذى جاء بك؟” قال : واللهِ ما جئتُ إلّا لهذا فقال المصطفى:” لا ، بل جلستَ مع صفوانَ بنِ أميةَ وقلتَ له: واللهِ لولا دينٌ علىَّ وعيالٌ أخشَى عليهم الضيعةَ مِن بعدِى لركبتُ إلى مُحمدٍ لأقتلَهُ فقال صفوانُ بنُ أميةَ، فدينُكَ علىَّ وعيالُكَ عيالِي أواسيهم بمالِي واركبْ إلى مُحمدٍ فاقتلْهُ فقلتَ: فاكتمْ هذا ولا تخبرْ بهِ أحدًا، ثم قمتَ فشحذتَ سيفَكَ وأغرقتَهُ في السمِّ وركبتَ إلى المدينةِ”.فقال عميرُ بنُ وهبٍ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا الله، وأشهدُ أنّك رسولُ اللهِ، ما علمَ بهذا أحدٌ غيرِى وغيرَ صفوان، فأحمدُ اللهَ أنْ ساقنِي هذا المساق.انظروا يا إخوةٌ إلى رحمةِ النبيِّ في دعوتِه حتى مع الأعداء- كان يدخلُ الكثيرُ منهم دينَ اللهِ، جاءً ليقتلَهُ ففعلَ به المصطفى ذلك، التفتَ النبيُّ إلى أصحابِه وقال: ” خذُوا أخاكُم فأقرئوهُ القرآنَ وفقهوهُ في دينِه ) إنَّها الرحمةُ يا سادةُ التي تجسدتْ في شخصيةِ المصطفَى ﷺ.
وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبة الثانية: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا له وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ … وبعد
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محمد حرز
ثالثــــًا وأخيرًا: أينَ الرحمةُ في قلوبِنَا؟
أيُّها السادة: نبيُّنَا ﷺ نبيُّ الرحمةِ هو قدوتُنَا وهو أسوتُنَا ومرشدُنَا وهو معلمُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ الأحزاب: 21 ، فأين نحن مِن رحمةِ الرحمنِ جلّ جلاله ؟أين نحن مِن رحمةِ النبيِّ ﷺ ؟ خاصةً ونحن بحاجةِ إلى الرحيمِ في جميعِ شؤونِ حياتِنَا وفي كلِّ وقت وحينٍ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا قستْ فيه القلوبُ، وقلتْ فيه ينابيعُ الرحمةِ والرأفةِ في قلوبِ الكثيرِ مِن الناسِ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انعدمتْ فيه الرحمةُ والشفقةُ بينَ الجارِ وجارِهِ والولدِ وأبيهِ والزوجةِ وزوجِهَا، وخاصةً وأكثرُ ما نحتاجُ إليه في هذه الأيامِ هو التراحمُ فيمَا بينَنَا ، فالرحمةُ والتراحمُ أجملُ شيءٍ في الحياةِ، لو دخلتْ قلوبَنَا وأدخلنَاها في حياتِنَا وبيوتِنَا صلُحتْ أمورُنَا كُلّهَا، وعشنَا أسعدَ حياةٍ، وأحلَى حياةٍ. وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) فعلينَا أنْ نتراحمَ فيمًا بيننَا كثيرًا، وأنْ يرحمَ بعضُنَا بعضًا ، وأنْ نكونَ مِن الرُّحماء، وأنْ تكونَ قلوبُنَا مليئةً بالرَّحمةِ، لننالَ شرفَ اتباعِ النبيِّ المختارِ ﷺ ولننالَ رحمةَ الرحمنِ، فو اللهِ الذي لا إلهَ إلُا هو، لا ندخلُ الجنةَ بأعمالِنَا ،ولكن ندخلُ الجنةَ برحمةِ ربِّنَا، كما قالَ نبيُّنَا rيَقُولُ: لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ)) متفق عليه
إلهِي لا تعذبنِي فإنِّي *** مقرٌّ بالذي قد كان مِنِّي
فكم مِن زلةٍ لي في البرايَا *** وأنتَ عليَّ ذو فضلٍ ومَنّيِ
يظنُ الناسُ بِي خيرًا وإنِّي ***لشرُّ الناسِ إن لم تعفُ عنِّي
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف